تعجبتُ لحزنها على قطها الذي خرج ولم يعُد، بعد صحبة طويلة، سمته اثناءها زعروراً. فكيف وماذا أبدع قطها الأثير، لكي تذرف عليه دمعة حَرّى؟! أخذتني الدهشة الى الموسوعة البريطانية، لأعرف ماذا يفعل عادةً، أبرع وأذكى القطط المنزلية، التي أشاد بها مُحمدٌ ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وجاء في الأثر، أنه قد توضأ من سؤْر قِط (والسؤر هو بقايا ما شرب أو أكل منه مخلوق). كان الهِرُّ، سبق النبي الى إناء الماء. تركه سيّد المرسلين يطفئ ظمأه، ثم توضأ بعده. فلما سأله أنس بن مالك عن هذا الأمر، أجاب: 'يا أنَس، إن الهِرَّ من متاع البيت، لن يُقذِّرَ شيئاً ولن ينجِسَّه، وهو من الطوافين عليكم والطوافات'!الفحوصات المخبرية، أثبتت صدق النُصح النبوي العاطر وعلميته، وبالتالي حق لمن افتقدته أن تحزن. لقد حزن قبلها على ضياع القطط أو موتها كثيرون، منهم أحد أحفاد سيدنا عليّ، وهو أبوبكر بن الحسن، الذي رثى 'بِساً' عزيزاً وقع في الغواية والخيانة، فضبطه الجيران يسطو على صيصان حماماتهم في برجها وذبحوه. تفجّع عليه 'أبو بكر' وهجا طيفه بمحبة، لفعلته التي ارتقت الى سويّة الردى، ولم تكن من طبعه: 'يا هِرَّ فارقتنا ولم تعُدِ، وكنت عندي بمنـزلة الولدِ.. حتى اعتقدتَ الأذى لجيراننا، ولم تكن للأذى بمُعتقدِ...ألم تخَفْ وثبة الزمان، كما وثبتَ في البُرج وثبة الأسدِ؟... عاقبة الظلم لا تنامُ وإن تأخرتْ، مُدة من المُددِ'!القط إعجازي القدرة، مدهش الطبع والطبيعة. في لسانه حالة منشورية ذات نتوءات، تعمل كمكنسة معدنية. وفي مشربه، ببطن اللسان، أعجوبة. انشغاله معظم الأوقات في تنظيف بدنه، ينم عن كياسة صحية لا تدانيها كياسة إنسان. قدرته على الرؤية الليلية، ستة أضعاف قدرة البشر الأصحاء، إذ تمتاز شبكيّة عينيه، ببساط شفاف، يعكس الحد الأدنى من البصيص. أما حاسة السمع، فهي أم المزايا، إذ تلتقط الترددات الفوق سمعية، التي يتعذر على أذن الإنسان التقاطها. وهذه تساعده على الاتصال بأنداده وعلى اصطياد طرائده من الحشرات والزواحف. فبفضل هذه الحاسة، ما أن تحُرّك فراشةٌ جناحها، حتى يسمعها القط!البِس مستغن عن المذاق الحلو ويزهد فيه. فلا تعطيه الحواس حلاوة شيء. إن دس لسانه في العسل أو الهريسة، سيكون شأنها في مذاقه، شأن أي شيء غير ذي طعم. يتذوق كل حامض وحِمض. لكن الأغرب، أنه يمتلك ما تملكه منظومات الدفاع الجوي. عشرات الرادارات الملاحية، تتشكل من شعيرات طرية في الوجه، تبرق اليه بمعلومات عن عمق الفجوات وعمق المياه، وعن مواضع الأشياء في الظلام. يلمس أسطحها أو برصد حركتها بدقة. وللبس لغته الجسمانية التي تعكس أحوال مزاجه، من بينها شكل تموضع العينين والذيل، وحال الاسترخاء البدني التام، وفرك القدمين الأماميين بعضهما ببعض. فهذه كلها تفصح عن حال الروقان والحبور. وبالذيل والأذنين تُعطى الإشارات الرئيسة: يرفع ذيله للتحية. أما عند تسطيح الأذنين، فإنه يرسل إشارة الغضب والكراهية. وللغرام عنده طَبعْ: مفتتح الحب بلثمْ الأنف للأنف، عند اللقاء، بين ذكر البس وأنثاه وهو المعادل الموضوعي للقُبلة. يتبع اللثم أحياناً، إعلان عاجل عن عقد القران، يدل عليه تحريك أحد الطرفين رأسه الى أعلى، بدلال والتواء!ارتحل القط حاملاً عالمه وحواسه. تاركاً حبيبته، تكابد عالماً بشرياً. تتقصى عمق الفجوات دون شعيرات، ولا تسمع دبيب النمل. تتوسل الرؤية على بصيص الضوء، وتستأنس بثقاب الذكرى!
ما تيسّر عن قط غائب
Admin- Admin
- عدد المساهمات : 369
تاريخ التسجيل : 06/03/2010
العمر : 41
الموقع : www.adala.alafdal.net
- مساهمة رقم 1