تكوين وتنظيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بعد حرب حزيران 1967 سعي الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب لايجاد اطار جبهة تضم مختلف الفصائل الوطنية الفلسطينية لأن وجودها عامل أساسي من عوامل الإنتصار ، ولان منظمة التحرير الفلسطينية بطابعها الرسمي آنذاك لم تكن تصلح لتشكيل هذا الإطار. وقد نتج عن ذلك اقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ضمت الي جانب هذا الفرع ، جبهة التحرير الفلسطينية ، وتنظيم أبطال العودة ، وعناصر مستقلة ، ومجموعة من الضباط الوحدويين الناصريين.
وصدر البيان السياسي الاول للجبهة في 11/12/1967. لكن مسيرة هذا التشكيل تعثرت نتيجة خلافات سياسية في وجهات النظر ، فانسحبت جبهة التحرير الفلسطينية في تشرين الاول عام 1968 وشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.
وعلي ضوء التطورات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية تخلت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد جبهة وطنية لان منطمة التحرير الفلسطينية جسدت في نظرها إطار هذه الجبهة بخطوطها العريضة.
ان هذا التطور جعل الجبهة الشعبية ، موضوعيا ، تنظيماً سياسياً محدداً ، خصوصاً بعد انصهار تنظيم أبطال العودة انصهاراً كاملاً في صفوف الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب.
ومنذ ذلك بدأ العمل لتحويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلي ح(*) مار(**)ي - لينينى، ولكن عملية التحول واجهت مشكلات وخلافات داخلية ، حيث رأي عدد من أعضاء الجبهة إستحالة تحويل تنظيم برجوازي صغير إلي ح(*) مار(**)ي - لينيني ، وقد أدت تلك الخلافات إلي إنشقاق "الجبهة الديمقراطية" عن الجبهة الشعبية.
عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني في شباط 1969 ، وصدر عنه وثيقة " الاستراتيجية السياسية والتنظيمية" التي شكلت محطة هامة في مسيرة الجبهة وتطلعها نحو التحول الي ح(*) مار(**)ي - لينيني مقاتل. واقامت الجبهة الشعبية مدرسة لبناء الكادر الح(*)ي ، واصدرت مجلة الهدف التي ترأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني عضو المكتب السياسي للجبهة.
وانعقد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة في آذار 1972 ، وقد أقر وثيقة "مهمات المرحلة" و "النظام الداخلي الجديد" واعطي عملية التحول وبناء الح(*) الثورى ، أيديولوجيا وتنظيما سياسيا ، الصدارة ، ايمانا منه بأن قدرة الثورة علي الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم.
وقد نص النظام الداخلي الجديد على أن المبادئ الأساسية للجبهة هي : المركزية الديمقراطية ، والقيادة الجماعية ، ووحدة الحزب ، والنقد والنقد الذاتي ، وجماهيرية الح(*) ، وعلي أن كل عضو سياسي في الجبهة مقاتل , وكل سياسي مقاتل. كما حدد شروط العضوية وواجباتها وحقوقها ، ورسم الهيكل التنظيمى للح(*).
وفي نيسان 1981 عقدت الجبهة مؤتمرها الوطنى الرابع تحت شعار : "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول لبناء الح(*) المار(**)ي - اللينيني ، والجبهة الوطنية المتحدة ، وتصعيد الكفاح المسلح ، وحماية وجود الثورة وتعزيز مواقعها النضالية ، ودحر نهج التسوية والاستسلام ، وتعميق الروابط الكفاحية العربية والأممية" وقد ناقش المؤتمر التقارير المقدمة إليه ، وأدخل التعديلات الضرورية علي النظام الداخلي ، وانتخب لجنة مركزية جديدة انتخبت بدورها مكتبا سياسيا جديدا. وجددت انتخاب الدكتور جورج حبش أمينا عاماً للجبهة.
وأصدر المؤتمر بيانا سياسيا حدد فيه الوضع الفلسطيني والعربي والدولي ومهمات الجبهة في المرحلة القادمة ومهماتها الإستراتيجية ، والدروس المستخلصة من تجربة الثورة الفلسطينية ، وأهمها ضرورة توفر قواعد ارتكاز للثورة الفلسطينية والمرحلية في النضال الفلسطينى وضرورة النضال ضد نهج التسوية ومختلف التأثيرات التي يتركها في صفوف الجماهير.
وفي ضوء المتغيرات العديدة والكبيرة التي طرأت علي الوضع الفلسطيني والعربي والدولي منذ انعقاد المؤتمر الرابع وحتى الآن وفي ضوء الشوط الكبير الذى قطعته على طريق تحولها الى ح(*) مار(**)ي - لينيني ، فإن الجبهة تستعد لعقد مؤتمرها الخامس "1990-1991".
أهم المرتكزات السياسية:
(1) أهمية الفكر السياسي:
تبرز الجبهة أهمية الفكر السياسي ، وأهمية سلامة الخط السياسي ، ودوره في إنتصار الثورة. "إن شرطاً أساسياً من شروط النجاح هو الرؤية الواضحة للأمور ، والرؤية الواضحة للعدو ، والرؤية الواضحة لقوى الثورة ، وعلي ضوء هذه الرؤية تتحدد استراتيجية المعركة ، وبدونها يكون العمل الوطني مرتجلا".
(2) الوظيفة الامبريالية للكيان الصهيونى :
إن الهدف الرئيسي للغزوة الصهيونية كان - ولا يزال- زرع قاعدة بشرية مسلحة تستند إليها الامبريالية للوقوف في وجه حركة التحرر العربي التي يشكل انتصارها تهديداً للمصالح الأمبريالية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وليس صحيحاً أن الغزوة الصهيونية نتيجة إضطهاد اليهود في أوروبا ، كذلك ليس صحيحاً الفصل بينها وبين المخططات الامبريالية للمنطقة ، وفصل المعركة مع الكيان الصهيوني عن مجمل حركة الصراع الدائرة في المنطقة بين الجماهير من ناحية والامبريالية من ناحية أخرى. فهناك تلاحم استراتيجي بين "إسرائيل" والحركة الصهيونية من جهة والامبريالية العالمية من جهة أخرى.
وترفع الجبهة شعار : "لا تعايش مع الصهيونية" وتشترط زوال الكيان الصهيوني لاشادة السلام العادل والدائم في المنطقة. وتري أن جدية التصدي للامبريالية مقياس لجدية التصدى للكيان الصهيونى.
(3) موقع "الرجعية العربية" في دائرة الصراع:
تعتبر الجبهة الشعبية التناقض مع الرجعية العربية تناقضا رئيسيا لا ثانويا ، وترى أن التحديد العلمي لموقع "الرجعية العربية" كقوة من قوى الخصم في المعركة المحتدمة بين الجماهير العربية وقواها الوطنية والتقدمية من جهة وبين الامبريالية والصهيونية من جهة ثانية يتيح للثورة الفلسطينية ولفصائل حركة التحرر الوطني العربية ، فضح وتعرية مناورات ومخططات القوى الرجعية والتصدى الفاعل لها.
(4) "البرجوازية العربية" عاجزة عن إنجاز مهمة تحرير فلسطين:
أثبتت التطورات التي تتابعت في مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر ، أن البرجوازية الوطنية الصغيرة التي تبدأ لدى تسلمها السلطة بمناهضة الامبريالية تنتقل تدريجيا ، من خلال نمو مصالحها وهى في سدة الحكم ، الى موقع التلاقي المتدرج مع الامبريالية. لذا يجب أن تكون علاقة الثورة بالبرجوازية الوطنية والانظمة التي تمثلها علاقة تحالف وصراع ، تحالف معها لانها معادية للامبريالية واسرائيل ، وتناقض معها حول استراتيجيتها في مواجهة المعركة. فهناك في الجبهة الشعبية استراتيجيتان : استراتيجية البرجوازية الصغيرة التى تطرح نظريا وتتجه عملياً نحو استراتيجية الحرب التقليدية من خلال اعادة بناء المؤسسة العسكرية اذا ما تعذر الوصول لحل سلمى.
مقابل استراتيجية الطبقة العاملة التي تطرح نظريا وتتجه عمليا نحو حرب العصابات وحرب التحرير الشعبية التي تخوضها الجماهير بقيادة الطبقة العاملة. وستتعايش هاتان الاستراتيجيتان زمنا الى ان تتغلب في نهاية الامر استراتيجية الطبقة العاملة.
وهذه النظرة إلي البرجوازية تتبناها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحمى الثورة والجماهير من تضخيم دور البرجوازية الوطني ، ولتنبه إلى الأخطاء الكبيرة إذا كانت البرجوازية علي رأس هرم التحالف الطبقى المعادي للامبريالية ، ولتؤكد في الوقت نفسه إمكان بقاء البرجوازية في الموقع الوطني عندما تكون الطبقة العاملة وبرامجها هي التي تقود معركة التحرير.
(5) العمال والفلاحون عماد الثورة ومادتها الطبقية الأساسية:
إن حجم البطولات والتضحيات التى قدمتها الجماهير الفلسطينية والعربية في صراعها مع العدو الصهيونى يسقط الزعم الذى يلقي أى قسط من المسئولية على الجماهير. وتربط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه الاخفاقات بالبنية الطبقية للقيادات التي كانت على رأس حركة الجماهير ، وتري أن الطبقة العاملة وحدها هى القادرة على قيادة نضال الجماهير نحو الانتصار النهائى.
وتشكل موضوعة قيادة الطبقة العاملة الفلسطينية والعربية لمعركة التحرير أهم مرتكزات الجبهة الشعبية. لكن ذلك لا يعنى في نظرها الخلط بين مرحلة التحرر الوطني ومرحلة التحرر الاجتماعي ، ولا يعنى إهمال التحالف الطبقى العريض الذى يضم كل طبقات وفئات الثورة.
(6) ضرورة الربط الجدلي بين الوطني والقومي:
ترى الجبهة خطأ تذويب النضال الوطني الفلسطيني في إطار النضال القومي العربي ، وفي المقابل خطأ عدم ربطه بالنضال القومي. فشعار إستقلالية العمل والقرار الفلسطينيين شعار سليم عندما تتجه ترجمته علي قاعدة حماية الثورة الفلسطينية من الأنظمة العربية الرجعية والبرجوازية التي تحاول إحتوائها ، ولكنه يصبح شعاراً غير سليم إذا قصد به حصر معركة التحرير بالشعب الفلسطيني ، إذ يؤدي ذلك إلي حرمان النضال الوطني الفلسطيني من عمقه العربي الذى تتطلبه معركة تحرير فلسطين.؟
إن الثورة الفلسطينية تحتاج إلي قواعد إرتكاز محيطة بفلسطين تعتمد عليها في توفير العمق الجغرافي والبشري الذي تحتاجه معركة التحرير. وهناك علاقة عضوية بين النضال الوطني الفلسطينى وحركة التحرر الوطني العربي ، والثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية دور طليعى في تحقيق الأهداف القومية للأمة العربية.
(7) الاردن ساحة خاصة وأساسية وقاعدة إرتكاز للثورة الفلسطينية:
تعود هذه الخصوصية إلي حجم وطبيعة الوجود الفلسطينى في الأردن. فنسبة الفلسطينيين هناك تبلغ 65% من مجموع السكان ، وقد أصبحوا من الناحية القانونية مواطنيين في دولة الأردن لا مجرد لاجئين كما هى الحال في البلدان العربية الأخري بسبب عملية الدمج والالحاق التى تمت في مؤتمر أريحا 1948. والثورة الفلسطينية هي المؤولة عن تعبئة وتنظيم الجماهير الفلسطينية في مختلف الأماكن بما فيها الساحة الأردنية . وإذا كان دور الثورة الفلسطينية فى عملية التغيير في البلدان العربية الأخرى هو دور العامل المساند ، فدورها فى الأردن هو دور الشريك. والساحة الأردنية قاعدة إرتكاز للثورة لجملة أسباب ، منها الحدود الطويلة بين الأردن وفلسطين ، وما توفره الساحة الأردنية للثورة الفلسطينية من قدرة علي التعامل المكثف مع الجماهير الفلسطينية داخل الأرض المحتلة. ومنها وهو الأهم ، إنها في الأردن تقوم بدور طليعى خاص في تحرير الأرض الفلسطينية. وقد إزدادت أهمية الساحة الأردنية -كقاعدة إرتكاز- في ضوء الإنتفاضة الباسلة للشعب الفلسطينى. ، وفى ضوء قرار الأردن بفك ارتباطه القانوني والإداري مع الضفة الفلسطينية والمتغيرات التي طرأت علي الوضع في الأردن مؤخراً.
( الثورة الفلسطينية جزء أساسى من الثورة العالمية علي الإمبريالية والصهيونية والرجعية:
تري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن معاناة الشعب الفلسطينى من الإضطهاد والظلم والاستبداد والتشرد ليست سوى نتيجة مباشرة لممارسات النظام الرأسمالى العالمي وتطوره الى مرحلة الإمبريالية.
والكيان الصهيونى كيان إستيطانى أقامه النظام الرأسمالى ولا يزال يدعمه بكل أسباب القوة والبقاء ليستند إليه كأداة أساسية فى تأمين عملية التحكم بالمنطقة ونهب خيراتها واستغلال ثرواتها والإفادة من موقعها الاستراتيجى. والإفادة من موقعها الاستراتيجي. ومن هنا يقف الشعب الفلسطيني فى الخندق الذى تقف مختلف الشعوب المضطهدة والطبقات المتضررة من النظام الرأسمالى الاستعمارى ، ومعركة هذا الشعب جزء من المعركة الكونية ضد الإمبريالية والقوى المرتبطة بها.
(9) حرب الشعب الطويلة الأمد هي الطريق الوحيد للتحرير:
ان تحرير فلسطين لا يتم الا بالعنف الثورى ، ويجب ممارسة كافة أشكال النضال وفي المقدمة منها الكفاح المسلح باعتباره أرقي أشكال النضال ، ولكن التفوق العسكرى التكنولوجى للعدو الامبريالى الصهيوني يجعل الحرب التقليدية السريعة الخاطفة لمصلحة العدو ، لهذا فإن الأسلوب الناجح المستخلص من تجارب الشعوب لمواجهة تفوق العدو هو أسلوب حرب العصابات التي تبدأ في مراحل الكفاح الأولي باستنزاف العدو تدريجياً ، ثم تعبئ مع الوقت الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى والعربي في حرب طويلة مستمرة قادرة في نهاية المسيرة علي تحقيق الإنتصار.
(10) اهمية الموضوعة التنظيمية:
للتنظيم السياسي أهمية كبيرة وبدونه تظل الأهداف السياسية ، وعلى الرغم من صحتها وعدالتها ، أحلاما وتمنيات. والحزب الثورى هو الح(*) الذي يعتمد أيديولوجية الطبقة العاملة دليلا نظريا. ويتشكل الح(*) أساسا من طلائع الطبقة العاملة في تكوينه الطبقى ، ويستند الى مبدأ المركزية الديمقراطية فى علاقاته الداخلية. أما الجبهة الوطنية المتحدة فهي الإطار التنظيمي الذي يضم مختلف طبقات الثورة وأحزابها ومنظماتها.
إن منظمة التحرير الفلسطينية هى الجبهة الوطنية الفلسطينية العريضة التي تناضلالجبهة الشعبية ضمنها على أساس جماعية القيادة ، والعلاقة الديمقراطية بين فصائل الثورة المبنية على قاعدة الاستقلال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي لكل فصيل ، وتمثيل الفصائل في مؤسسات م.ت.ف بحسب نمو أدوارها في العملية الثورية.
وفى إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبهدف تعزيز وتعميق وتصليب الوحدة الوطنية تناضل الجبهة لتحقيق وحدة القوي الديمقراطية كخطوة ضرورية علي طريق بناء ح(*) الطبقة العاملة الفلسطينى الموحد.
(11) هدف الثورة الفلسطينية الاستراتيجى تحرير فلسطين واقامة الدولة الديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية:
ان هدف النضال الفلسطيني تحرير الأرض الفلسطينية من الوجود الصهيونى الاستيطاني التوسعي وليس الصراع مع العدو الصهيوني قائما علي أساس التعصب القومي أو الديني ، ولذلك تهدف الثورة الفلسطينية الى تشييد دولة ديمقراطية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية.
ان عملية تحرير فلسطين هى عملية تحرير للجماهير اليهودية التى حشدتها الامبريالية والصهيونية لتستعملها وقوداً في حربها مع جماهير المنطقة. ولذا فإنه من الطبيعي أن تتحالف الثورة الفلسطينية مع القوي اليهودية المناهضة للامبريالية والصهيونية. وهذه الدولة الفلسطينية ستتحد مع البلدان العربية في إطار مجتمع عربي تقدمي وسيكون اليهود في فلسطين بعد التحرير مواطنين فى مجتمع ديمقراطي إشتراكي.
وتؤمن الجبهة الشعبية بمرحلة النضال الوطني الفلسطيني ، وتتبني البرنامج المرحلي لـ م.ت.ف المتمثل بحق الشعب الفلسطينى بالعودة إلي دياره وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وتري الجبهة أن تحقيق الهدف المرحلى يرتبط أشد الإرتباط بتغيير موازيين القوي القائمة ، وأن الإطار المناسب لتحقيقه هو المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات الذى تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ، وتشارك فيه م.ت.ف علي قدم المساواة إلي جانب الأطراف المعنية.
أهم المواقف السياسية في مسيرة الجبهة:
(1) الموقف من الحكم الأردني:
ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن لهذا الحكم تأثيره الكبير السياسي والعسكري على الصراع العربى الصهيونى بحكم جملة عوامل منها تكوينه الديمغرافى وموقعه الجغرافى. وكانت ترى منذ اللحظة الأولي بوجود المقاومة الفلسطينية فى الأردن عام 1967 استحالة التعايش بين الاثنين ، لذلك حصلت بينهما إصطدامات كثيرة ، بل إنها إعتبرت أن تردد الثورة آنذاك في مواجهة الحكم قد ضيع عليها فرصة ثمينة ومكن الحكم من ضرب المقاومة فى أيلول 1970 ثم اخراجها من الأردن في تموز 1971. وبذلك خسرت المقاومة أهم موقع لها بسبب خصوصية الساحة الأردنية وكونها الموقع الطبيعي والأساسي للثورة.
(2) التصدى لنهج التسوية بعد حرب 1973 وتأسيس جبهة القوي الفلسطينية الرافضة للتسويات الاستسلامية:
آمنت الجبهة الشعبية بأن التحركات التي تلت حرب تشرين كانت مؤامرة تهدف إلي إنهاء الصراع العربى - الصهيونى على قاعدة التسليم بالوجود الصهيوني ، واحتواء الثورة الفلسطينية باغرائها بدولة فلسطينية تقوم فى الضفة والقطاع مقابل توقفها عن المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطينى ، وكان حذف شعار : " لا تفاوض مع العدو الصهيونى" من البرنامج السياسى الذي أقرته الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني سببا في إنسحاب الجبهة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد شكلت مع ثلاثة فصائل أخرى "جبهة القوى الرافضة للحلول الإستسلامية" ، واستمر الإنقسام في الموقف الفلسطيني إلي حين قيام السادات (*)يارة القدس ، فانعقد المؤتمر الأول لقمة الصمود والتصدي ، واتفقت الفصائل المختلفة على "وثيقة طرابلس" التي سجلت مبدأ اللاتفاوض مع العدو الصهيونى ، وربطت أى هدف مرحلي للثورة الفلسطينية بالشروط والضوابط التي تجعله خطوة على طريق الهدف الإستراتيجى لا بديلاً عنه.
(3) الحرب الأهلية في لبنان:
تري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المعارك التي إنفجرت على الساحة اللبنانية بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جهة ، والقوات اللبنانية من جهة أخرى ، ليست معارك مؤقتة ومحدودة تسببها ظروف طارئة أو ممارسات لا مسؤولة ، وهي ترى أن معارك أيار 1973 كانت مقدمة للمعارك الواسعة التى شهدها لبنان منذ نيسان 1975.
وفي ضوء ذلك طرحت الجبهة الشعبية أن طبيعة المعارك وطبيعة المخطط الإمبريالى الصهيونى الرجعي على الساحة اللبنانية لا تسمحان بأية إمكانية لحلول وسط للصراع ، لأن التناقض القائم تناحري لا يمكن حله إلا بهزيمة أحد طرفيه. وقد طالبت الجبهة الشعبية القوي الوطنية والتقدمية المعنية بالصراع بتحديد مواقفها وتكتيكاتها إستنادا إلي هذا الأساس.
وتؤمن الجبهة بأن بقاء البندقية الفلسطينية مرفوعة فى لبنان يعنى إستمرار الثورة ، ويشكل هذا البقاء أكبر دعم سياسي ومادي ومعنوي لنضالات الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة. وترى أيضا ان البندقية الفلسطينية عقبة أمام تمرير مشاريع الإستسلام وعقبة أمام أى نظام عربى يريد اللحاق بكامب ديفيد على الطريق الذي إتبعه السادات. كما ترى أن بقاء البندقية الفلسطينية مشرعة سيؤدى إلي إستمرار افراز حالة ثورية تنتقل بتأثيراتها وانعكاساتها الى المنطقة العربية.
واضافة لذلك ترى الجبهة الشعبية أن المخطط المعادى يستهدف الحركة الوطنية اللبنانية بقدر ما يستهدف المقاومة الفلسطينية لتثبيت الهيمنة على جماهير لبنان. ولذلك طالبت بضرورة "اعتبار الحركة الوطنية اللبنانية الأساس في عملية التصدي لهذه المحاولات في سبيل دحر مخططاتها واعتبار دور المقاومة الفلسطينية دوراً داعماً ومسانداً ومشاركاً".
الجانب العسكري:
بدأ فرع فلسطين في حركة القوميين العرب الاعداد للكفاح المسلح قبل الخامس من حزيران 67 ، ومارس النشاط العسكري قبله ، وسقط الشهيد الأول خالد أبو عيشة في 2/11/1964. وبعد الخامس من حزيران مارست الجبهة الشعبية الكفاح المسلح من داخل الوطن المحتل ومن خارجه ، وكان نشاطها جزءاً من نضال فصائل المقاومة الفلسطينية العسكري ، وقد ألحقت ضربات موجعة بالعدو الصهيونى في جبال الخليل وقطاع غزة ، وشكلت هناك بؤراً ثورية مسلحة ألحقت بقوات العد الصهيوني خسائر كبيرة ، ولكن سوء الظروف الموضوعية وتوقف حرب الاستنزاف علي الجبهة المصرية وتفجير أحداث الأردن عام 1970 ، وقيام العدو الصهيوني بعمليات عسكرية كبيرة ضد المقاومة أدت إلي تصفية الصف القيادي الأول لتنظيم الجبهة الشعبية في قطاع غزة الذي كان يقوده الشهيد محمد محود الأسود (جيفارا غزة) عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ، وأدت إلى القضاء على عدد من المجموعات الثورية للجبهة في المناطق الأخري. غير أن ذلك لم يمنع الجبهة من إعادة ترتيب أوضاعها ومواصلة الكفاح المسلح.
وبذلت الجبهة جهوداً عسكرية على مستوي العمليات الحدودية من خارج الأرض المحتلة ، فهاجمت قواتها دوريات العدو الصهيوني ومواقعه وكمائنه ، وزرعت الألغام وهاجمت مستعمرات الحدود ، مما أربك العدو واستنزف طاقاته.
وقد وجهت الجبهة الشعبية ضربات عسكرية للمصالح الإمبريالية كعملية تفجير خط أنابيب النفط المار بأراضي الجولان السورية المحتلة ، وعملية ناقلة النفط "الكورال سي" فى مضيق باب المندب ، كذلك وجهت ضربات للمصالح الصهيونية ومؤسسات العدو الإقتصادية خارج الوطن المحتل.وقامت الجبهة الشعبية وتقوم بدورها في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية ووجودها المسلح ، أمام الهجمات التي تستهدف تصفيتها وابادتها على الأرض العربية مشتركة في ذلك مع فصائل المقامة الفلسطينية.
وفي لبنان كان لتنظيم الجبهة العسكري الموجود في تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشهيد أبو أمل الى جانب جماهير الشعب الفلسطينى ومقاتلى الثورة الفلسطينية من مختلف فصائل المقاومة أثر في الصمود البطولي للمخيم ، كذلك وقف مقاتلوا الجبهة مع غيرهم من مقاتلي الثورة صامدين في لبنان في آذار 1978.
وابان الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 1982 تصدت الجبهة لجحافل العدو الصهيونى بكل قوة الى جانب القوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية ، ورفعت أثناء حصار بيروت شعار : " تحويل بيروت الى ستالينغراد" ، كما رفضت الانسحاب من بيروت في الفترة الأولي من الحصار مما لعب دوراً في إطالة أمد الصمود ، وانسحاب المقاومة الفلسطينية بكرامتها من بيروت ، وقبل الانسحاب من بيروت كان للجبهة الشعبية دور أساسي ، الى جانب الح(*) الشيوعي اللبنانى في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والمشاركة الفاعلة في عملياتها. كما شاركت الجبهة بفعالية إلي جانب قوي الحركة الوطنية اللبنانية في التصدى للاحتلال الصهيونى وأعوانه فى الأعوام 83 ، 84 ، 85 ودحره عن مناطق بيروت والجبل وصيدا.
أزمة م.ت.ف ودور الجبهة:
خلال فترة الأزمة التي عصفت بـ م.ت.ف العام 1983 ، والتى أدت إلي إنقسام فى الساحة الفلسطينية ، لعبت الجبهة دورا بارزاً ومميزاً في النضال من أجل تجاوز الأزمة والانقسام واستعادة الوحدة لـ م.ت.ف. وفي نضالها ربطت الجبهة جدليا بين الوحدة والإصلاح في م.ت.ف ورأت بوضوح أن إستعادة الوحدة الوطنية يرتبط أشد الإرتباط بإستعادة م.ت.ف لخطها الوطني ، واعتبرت أن إلغاء إتفاق عمان الذى تخلت بموجبه القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف عن البرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية و م.ت.ف ، برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ، وعن مبدأ وحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطينى شرط أساسي لاستعادة الوحدة ، وقد كان للجبهة الشعبية الدور البارز والمميز في إعادة اللحمة لصفوف م.ت.ف ، ابان إنعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني فى الجزائر 1987.
الانتفاضة ودور الجبهة:
لعبت الجبهة ولا تزال دوراً ميدانياً بارزاً على صعيد الإنتفاضة وفعالياتها ونشاطاتها النضالية المختلفة ، وفى إطار قيادتها الوطنية الموحدة فى الداخل ، وقد رفعت الجبهة شعار : "الإنتفاضة محور عملنا" ، وسعت وما زالت ، الى تطبيقه على صعيد النشاط الوطني الفلسطينى.
وترى الجبهة أن الإنتفاضة شكلت بداية مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من أهم سماتها ، الطابع الجماهيري الشامل للإنتفاضة ، وإنتقال مركز الثقل والصراع الفلسطينى مع العدو الصهيونى من خارج الوطن المحتل إلى داخله ، وابراز أولوية وأساسية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي فى إطار الصراع العربى - الصهيوني العام. كما تري الجبهة بأن الإنتفاضة حولت شعار الدولة من إمكانية تاريخية إلي إمكانية واقعية ، لكنها عارضت بشدة نهج الإستثمار المتسرع للإنتفاضة ورأت أن تجسيد هذا الشعار على أرض الواقع يتطلب نضالاًشاقاً وطويلاً. كما ناضلت الجبهة ولا تزال ، ضد سياسة التنازلات المجانية التي تنتهجها القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف وطالبت بضرورة توفير الحماية السياسية للإنتفاضة والعمل علي استمرارها وتجذيرها وتصاعدها حتى تحقيق هدفها بالحرية والإستقلال.
ملاحظة:
هذه الورقة أعدت في عام 1989 ولكنها لا زالت تكتسب أهمية وراهنية سواء من حيث القائها الضوء علي فكر وسياسة الجبهة أو من حيث رؤية التطورات على ما جاء فيها.
بعد حرب حزيران 1967 سعي الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب لايجاد اطار جبهة تضم مختلف الفصائل الوطنية الفلسطينية لأن وجودها عامل أساسي من عوامل الإنتصار ، ولان منظمة التحرير الفلسطينية بطابعها الرسمي آنذاك لم تكن تصلح لتشكيل هذا الإطار. وقد نتج عن ذلك اقامة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ضمت الي جانب هذا الفرع ، جبهة التحرير الفلسطينية ، وتنظيم أبطال العودة ، وعناصر مستقلة ، ومجموعة من الضباط الوحدويين الناصريين.
وصدر البيان السياسي الاول للجبهة في 11/12/1967. لكن مسيرة هذا التشكيل تعثرت نتيجة خلافات سياسية في وجهات النظر ، فانسحبت جبهة التحرير الفلسطينية في تشرين الاول عام 1968 وشكلت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة.
وعلي ضوء التطورات التي شهدتها منظمة التحرير الفلسطينية تخلت الجبهة الشعبية عن سعيها لإيجاد جبهة وطنية لان منطمة التحرير الفلسطينية جسدت في نظرها إطار هذه الجبهة بخطوطها العريضة.
ان هذا التطور جعل الجبهة الشعبية ، موضوعيا ، تنظيماً سياسياً محدداً ، خصوصاً بعد انصهار تنظيم أبطال العودة انصهاراً كاملاً في صفوف الفرع الفلسطيني لحركة القوميين العرب.
ومنذ ذلك بدأ العمل لتحويل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إلي ح(*) مار(**)ي - لينينى، ولكن عملية التحول واجهت مشكلات وخلافات داخلية ، حيث رأي عدد من أعضاء الجبهة إستحالة تحويل تنظيم برجوازي صغير إلي ح(*) مار(**)ي - لينيني ، وقد أدت تلك الخلافات إلي إنشقاق "الجبهة الديمقراطية" عن الجبهة الشعبية.
عقدت الجبهة الشعبية مؤتمرها الثاني في شباط 1969 ، وصدر عنه وثيقة " الاستراتيجية السياسية والتنظيمية" التي شكلت محطة هامة في مسيرة الجبهة وتطلعها نحو التحول الي ح(*) مار(**)ي - لينيني مقاتل. واقامت الجبهة الشعبية مدرسة لبناء الكادر الح(*)ي ، واصدرت مجلة الهدف التي ترأس تحريرها الشهيد غسان كنفاني عضو المكتب السياسي للجبهة.
وانعقد المؤتمر الوطني الثالث للجبهة في آذار 1972 ، وقد أقر وثيقة "مهمات المرحلة" و "النظام الداخلي الجديد" واعطي عملية التحول وبناء الح(*) الثورى ، أيديولوجيا وتنظيما سياسيا ، الصدارة ، ايمانا منه بأن قدرة الثورة علي الصمود والاستمرار تتوقف على صلابة التنظيم.
وقد نص النظام الداخلي الجديد على أن المبادئ الأساسية للجبهة هي : المركزية الديمقراطية ، والقيادة الجماعية ، ووحدة الحزب ، والنقد والنقد الذاتي ، وجماهيرية الح(*) ، وعلي أن كل عضو سياسي في الجبهة مقاتل , وكل سياسي مقاتل. كما حدد شروط العضوية وواجباتها وحقوقها ، ورسم الهيكل التنظيمى للح(*).
وفي نيسان 1981 عقدت الجبهة مؤتمرها الوطنى الرابع تحت شعار : "المؤتمر الرابع خطوة هامة على طريق استكمال عملية التحول لبناء الح(*) المار(**)ي - اللينيني ، والجبهة الوطنية المتحدة ، وتصعيد الكفاح المسلح ، وحماية وجود الثورة وتعزيز مواقعها النضالية ، ودحر نهج التسوية والاستسلام ، وتعميق الروابط الكفاحية العربية والأممية" وقد ناقش المؤتمر التقارير المقدمة إليه ، وأدخل التعديلات الضرورية علي النظام الداخلي ، وانتخب لجنة مركزية جديدة انتخبت بدورها مكتبا سياسيا جديدا. وجددت انتخاب الدكتور جورج حبش أمينا عاماً للجبهة.
وأصدر المؤتمر بيانا سياسيا حدد فيه الوضع الفلسطيني والعربي والدولي ومهمات الجبهة في المرحلة القادمة ومهماتها الإستراتيجية ، والدروس المستخلصة من تجربة الثورة الفلسطينية ، وأهمها ضرورة توفر قواعد ارتكاز للثورة الفلسطينية والمرحلية في النضال الفلسطينى وضرورة النضال ضد نهج التسوية ومختلف التأثيرات التي يتركها في صفوف الجماهير.
وفي ضوء المتغيرات العديدة والكبيرة التي طرأت علي الوضع الفلسطيني والعربي والدولي منذ انعقاد المؤتمر الرابع وحتى الآن وفي ضوء الشوط الكبير الذى قطعته على طريق تحولها الى ح(*) مار(**)ي - لينيني ، فإن الجبهة تستعد لعقد مؤتمرها الخامس "1990-1991".
أهم المرتكزات السياسية:
(1) أهمية الفكر السياسي:
تبرز الجبهة أهمية الفكر السياسي ، وأهمية سلامة الخط السياسي ، ودوره في إنتصار الثورة. "إن شرطاً أساسياً من شروط النجاح هو الرؤية الواضحة للأمور ، والرؤية الواضحة للعدو ، والرؤية الواضحة لقوى الثورة ، وعلي ضوء هذه الرؤية تتحدد استراتيجية المعركة ، وبدونها يكون العمل الوطني مرتجلا".
(2) الوظيفة الامبريالية للكيان الصهيونى :
إن الهدف الرئيسي للغزوة الصهيونية كان - ولا يزال- زرع قاعدة بشرية مسلحة تستند إليها الامبريالية للوقوف في وجه حركة التحرر العربي التي يشكل انتصارها تهديداً للمصالح الأمبريالية في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وليس صحيحاً أن الغزوة الصهيونية نتيجة إضطهاد اليهود في أوروبا ، كذلك ليس صحيحاً الفصل بينها وبين المخططات الامبريالية للمنطقة ، وفصل المعركة مع الكيان الصهيوني عن مجمل حركة الصراع الدائرة في المنطقة بين الجماهير من ناحية والامبريالية من ناحية أخرى. فهناك تلاحم استراتيجي بين "إسرائيل" والحركة الصهيونية من جهة والامبريالية العالمية من جهة أخرى.
وترفع الجبهة شعار : "لا تعايش مع الصهيونية" وتشترط زوال الكيان الصهيوني لاشادة السلام العادل والدائم في المنطقة. وتري أن جدية التصدي للامبريالية مقياس لجدية التصدى للكيان الصهيونى.
(3) موقع "الرجعية العربية" في دائرة الصراع:
تعتبر الجبهة الشعبية التناقض مع الرجعية العربية تناقضا رئيسيا لا ثانويا ، وترى أن التحديد العلمي لموقع "الرجعية العربية" كقوة من قوى الخصم في المعركة المحتدمة بين الجماهير العربية وقواها الوطنية والتقدمية من جهة وبين الامبريالية والصهيونية من جهة ثانية يتيح للثورة الفلسطينية ولفصائل حركة التحرر الوطني العربية ، فضح وتعرية مناورات ومخططات القوى الرجعية والتصدى الفاعل لها.
(4) "البرجوازية العربية" عاجزة عن إنجاز مهمة تحرير فلسطين:
أثبتت التطورات التي تتابعت في مصر بعد وفاة جمال عبد الناصر ، أن البرجوازية الوطنية الصغيرة التي تبدأ لدى تسلمها السلطة بمناهضة الامبريالية تنتقل تدريجيا ، من خلال نمو مصالحها وهى في سدة الحكم ، الى موقع التلاقي المتدرج مع الامبريالية. لذا يجب أن تكون علاقة الثورة بالبرجوازية الوطنية والانظمة التي تمثلها علاقة تحالف وصراع ، تحالف معها لانها معادية للامبريالية واسرائيل ، وتناقض معها حول استراتيجيتها في مواجهة المعركة. فهناك في الجبهة الشعبية استراتيجيتان : استراتيجية البرجوازية الصغيرة التى تطرح نظريا وتتجه عملياً نحو استراتيجية الحرب التقليدية من خلال اعادة بناء المؤسسة العسكرية اذا ما تعذر الوصول لحل سلمى.
مقابل استراتيجية الطبقة العاملة التي تطرح نظريا وتتجه عمليا نحو حرب العصابات وحرب التحرير الشعبية التي تخوضها الجماهير بقيادة الطبقة العاملة. وستتعايش هاتان الاستراتيجيتان زمنا الى ان تتغلب في نهاية الامر استراتيجية الطبقة العاملة.
وهذه النظرة إلي البرجوازية تتبناها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لتحمى الثورة والجماهير من تضخيم دور البرجوازية الوطني ، ولتنبه إلى الأخطاء الكبيرة إذا كانت البرجوازية علي رأس هرم التحالف الطبقى المعادي للامبريالية ، ولتؤكد في الوقت نفسه إمكان بقاء البرجوازية في الموقع الوطني عندما تكون الطبقة العاملة وبرامجها هي التي تقود معركة التحرير.
(5) العمال والفلاحون عماد الثورة ومادتها الطبقية الأساسية:
إن حجم البطولات والتضحيات التى قدمتها الجماهير الفلسطينية والعربية في صراعها مع العدو الصهيونى يسقط الزعم الذى يلقي أى قسط من المسئولية على الجماهير. وتربط الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذه الاخفاقات بالبنية الطبقية للقيادات التي كانت على رأس حركة الجماهير ، وتري أن الطبقة العاملة وحدها هى القادرة على قيادة نضال الجماهير نحو الانتصار النهائى.
وتشكل موضوعة قيادة الطبقة العاملة الفلسطينية والعربية لمعركة التحرير أهم مرتكزات الجبهة الشعبية. لكن ذلك لا يعنى في نظرها الخلط بين مرحلة التحرر الوطني ومرحلة التحرر الاجتماعي ، ولا يعنى إهمال التحالف الطبقى العريض الذى يضم كل طبقات وفئات الثورة.
(6) ضرورة الربط الجدلي بين الوطني والقومي:
ترى الجبهة خطأ تذويب النضال الوطني الفلسطيني في إطار النضال القومي العربي ، وفي المقابل خطأ عدم ربطه بالنضال القومي. فشعار إستقلالية العمل والقرار الفلسطينيين شعار سليم عندما تتجه ترجمته علي قاعدة حماية الثورة الفلسطينية من الأنظمة العربية الرجعية والبرجوازية التي تحاول إحتوائها ، ولكنه يصبح شعاراً غير سليم إذا قصد به حصر معركة التحرير بالشعب الفلسطيني ، إذ يؤدي ذلك إلي حرمان النضال الوطني الفلسطيني من عمقه العربي الذى تتطلبه معركة تحرير فلسطين.؟
إن الثورة الفلسطينية تحتاج إلي قواعد إرتكاز محيطة بفلسطين تعتمد عليها في توفير العمق الجغرافي والبشري الذي تحتاجه معركة التحرير. وهناك علاقة عضوية بين النضال الوطني الفلسطينى وحركة التحرر الوطني العربي ، والثورة الفلسطينية والقضية الفلسطينية دور طليعى في تحقيق الأهداف القومية للأمة العربية.
(7) الاردن ساحة خاصة وأساسية وقاعدة إرتكاز للثورة الفلسطينية:
تعود هذه الخصوصية إلي حجم وطبيعة الوجود الفلسطينى في الأردن. فنسبة الفلسطينيين هناك تبلغ 65% من مجموع السكان ، وقد أصبحوا من الناحية القانونية مواطنيين في دولة الأردن لا مجرد لاجئين كما هى الحال في البلدان العربية الأخري بسبب عملية الدمج والالحاق التى تمت في مؤتمر أريحا 1948. والثورة الفلسطينية هي المؤولة عن تعبئة وتنظيم الجماهير الفلسطينية في مختلف الأماكن بما فيها الساحة الأردنية . وإذا كان دور الثورة الفلسطينية فى عملية التغيير في البلدان العربية الأخرى هو دور العامل المساند ، فدورها فى الأردن هو دور الشريك. والساحة الأردنية قاعدة إرتكاز للثورة لجملة أسباب ، منها الحدود الطويلة بين الأردن وفلسطين ، وما توفره الساحة الأردنية للثورة الفلسطينية من قدرة علي التعامل المكثف مع الجماهير الفلسطينية داخل الأرض المحتلة. ومنها وهو الأهم ، إنها في الأردن تقوم بدور طليعى خاص في تحرير الأرض الفلسطينية. وقد إزدادت أهمية الساحة الأردنية -كقاعدة إرتكاز- في ضوء الإنتفاضة الباسلة للشعب الفلسطينى. ، وفى ضوء قرار الأردن بفك ارتباطه القانوني والإداري مع الضفة الفلسطينية والمتغيرات التي طرأت علي الوضع في الأردن مؤخراً.
( الثورة الفلسطينية جزء أساسى من الثورة العالمية علي الإمبريالية والصهيونية والرجعية:
تري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن معاناة الشعب الفلسطينى من الإضطهاد والظلم والاستبداد والتشرد ليست سوى نتيجة مباشرة لممارسات النظام الرأسمالى العالمي وتطوره الى مرحلة الإمبريالية.
والكيان الصهيونى كيان إستيطانى أقامه النظام الرأسمالى ولا يزال يدعمه بكل أسباب القوة والبقاء ليستند إليه كأداة أساسية فى تأمين عملية التحكم بالمنطقة ونهب خيراتها واستغلال ثرواتها والإفادة من موقعها الاستراتيجى. والإفادة من موقعها الاستراتيجي. ومن هنا يقف الشعب الفلسطيني فى الخندق الذى تقف مختلف الشعوب المضطهدة والطبقات المتضررة من النظام الرأسمالى الاستعمارى ، ومعركة هذا الشعب جزء من المعركة الكونية ضد الإمبريالية والقوى المرتبطة بها.
(9) حرب الشعب الطويلة الأمد هي الطريق الوحيد للتحرير:
ان تحرير فلسطين لا يتم الا بالعنف الثورى ، ويجب ممارسة كافة أشكال النضال وفي المقدمة منها الكفاح المسلح باعتباره أرقي أشكال النضال ، ولكن التفوق العسكرى التكنولوجى للعدو الامبريالى الصهيوني يجعل الحرب التقليدية السريعة الخاطفة لمصلحة العدو ، لهذا فإن الأسلوب الناجح المستخلص من تجارب الشعوب لمواجهة تفوق العدو هو أسلوب حرب العصابات التي تبدأ في مراحل الكفاح الأولي باستنزاف العدو تدريجياً ، ثم تعبئ مع الوقت الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى والعربي في حرب طويلة مستمرة قادرة في نهاية المسيرة علي تحقيق الإنتصار.
(10) اهمية الموضوعة التنظيمية:
للتنظيم السياسي أهمية كبيرة وبدونه تظل الأهداف السياسية ، وعلى الرغم من صحتها وعدالتها ، أحلاما وتمنيات. والحزب الثورى هو الح(*) الذي يعتمد أيديولوجية الطبقة العاملة دليلا نظريا. ويتشكل الح(*) أساسا من طلائع الطبقة العاملة في تكوينه الطبقى ، ويستند الى مبدأ المركزية الديمقراطية فى علاقاته الداخلية. أما الجبهة الوطنية المتحدة فهي الإطار التنظيمي الذي يضم مختلف طبقات الثورة وأحزابها ومنظماتها.
إن منظمة التحرير الفلسطينية هى الجبهة الوطنية الفلسطينية العريضة التي تناضلالجبهة الشعبية ضمنها على أساس جماعية القيادة ، والعلاقة الديمقراطية بين فصائل الثورة المبنية على قاعدة الاستقلال الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي لكل فصيل ، وتمثيل الفصائل في مؤسسات م.ت.ف بحسب نمو أدوارها في العملية الثورية.
وفى إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبهدف تعزيز وتعميق وتصليب الوحدة الوطنية تناضل الجبهة لتحقيق وحدة القوي الديمقراطية كخطوة ضرورية علي طريق بناء ح(*) الطبقة العاملة الفلسطينى الموحد.
(11) هدف الثورة الفلسطينية الاستراتيجى تحرير فلسطين واقامة الدولة الديمقراطية على كامل الأرض الفلسطينية:
ان هدف النضال الفلسطيني تحرير الأرض الفلسطينية من الوجود الصهيونى الاستيطاني التوسعي وليس الصراع مع العدو الصهيوني قائما علي أساس التعصب القومي أو الديني ، ولذلك تهدف الثورة الفلسطينية الى تشييد دولة ديمقراطية يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق وواجبات متساوية.
ان عملية تحرير فلسطين هى عملية تحرير للجماهير اليهودية التى حشدتها الامبريالية والصهيونية لتستعملها وقوداً في حربها مع جماهير المنطقة. ولذا فإنه من الطبيعي أن تتحالف الثورة الفلسطينية مع القوي اليهودية المناهضة للامبريالية والصهيونية. وهذه الدولة الفلسطينية ستتحد مع البلدان العربية في إطار مجتمع عربي تقدمي وسيكون اليهود في فلسطين بعد التحرير مواطنين فى مجتمع ديمقراطي إشتراكي.
وتؤمن الجبهة الشعبية بمرحلة النضال الوطني الفلسطيني ، وتتبني البرنامج المرحلي لـ م.ت.ف المتمثل بحق الشعب الفلسطينى بالعودة إلي دياره وتقرير مصيره واقامة دولته المستقلة. وتري الجبهة أن تحقيق الهدف المرحلى يرتبط أشد الإرتباط بتغيير موازيين القوي القائمة ، وأن الإطار المناسب لتحقيقه هو المؤتمر الدولي كامل الصلاحيات الذى تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ، وتشارك فيه م.ت.ف علي قدم المساواة إلي جانب الأطراف المعنية.
أهم المواقف السياسية في مسيرة الجبهة:
(1) الموقف من الحكم الأردني:
ترى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن لهذا الحكم تأثيره الكبير السياسي والعسكري على الصراع العربى الصهيونى بحكم جملة عوامل منها تكوينه الديمغرافى وموقعه الجغرافى. وكانت ترى منذ اللحظة الأولي بوجود المقاومة الفلسطينية فى الأردن عام 1967 استحالة التعايش بين الاثنين ، لذلك حصلت بينهما إصطدامات كثيرة ، بل إنها إعتبرت أن تردد الثورة آنذاك في مواجهة الحكم قد ضيع عليها فرصة ثمينة ومكن الحكم من ضرب المقاومة فى أيلول 1970 ثم اخراجها من الأردن في تموز 1971. وبذلك خسرت المقاومة أهم موقع لها بسبب خصوصية الساحة الأردنية وكونها الموقع الطبيعي والأساسي للثورة.
(2) التصدى لنهج التسوية بعد حرب 1973 وتأسيس جبهة القوي الفلسطينية الرافضة للتسويات الاستسلامية:
آمنت الجبهة الشعبية بأن التحركات التي تلت حرب تشرين كانت مؤامرة تهدف إلي إنهاء الصراع العربى - الصهيونى على قاعدة التسليم بالوجود الصهيوني ، واحتواء الثورة الفلسطينية باغرائها بدولة فلسطينية تقوم فى الضفة والقطاع مقابل توقفها عن المطالبة بتحرير كامل التراب الفلسطينى ، وكان حذف شعار : " لا تفاوض مع العدو الصهيونى" من البرنامج السياسى الذي أقرته الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني سببا في إنسحاب الجبهة من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وقد شكلت مع ثلاثة فصائل أخرى "جبهة القوى الرافضة للحلول الإستسلامية" ، واستمر الإنقسام في الموقف الفلسطيني إلي حين قيام السادات (*)يارة القدس ، فانعقد المؤتمر الأول لقمة الصمود والتصدي ، واتفقت الفصائل المختلفة على "وثيقة طرابلس" التي سجلت مبدأ اللاتفاوض مع العدو الصهيونى ، وربطت أى هدف مرحلي للثورة الفلسطينية بالشروط والضوابط التي تجعله خطوة على طريق الهدف الإستراتيجى لا بديلاً عنه.
(3) الحرب الأهلية في لبنان:
تري الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن المعارك التي إنفجرت على الساحة اللبنانية بين المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من جهة ، والقوات اللبنانية من جهة أخرى ، ليست معارك مؤقتة ومحدودة تسببها ظروف طارئة أو ممارسات لا مسؤولة ، وهي ترى أن معارك أيار 1973 كانت مقدمة للمعارك الواسعة التى شهدها لبنان منذ نيسان 1975.
وفي ضوء ذلك طرحت الجبهة الشعبية أن طبيعة المعارك وطبيعة المخطط الإمبريالى الصهيونى الرجعي على الساحة اللبنانية لا تسمحان بأية إمكانية لحلول وسط للصراع ، لأن التناقض القائم تناحري لا يمكن حله إلا بهزيمة أحد طرفيه. وقد طالبت الجبهة الشعبية القوي الوطنية والتقدمية المعنية بالصراع بتحديد مواقفها وتكتيكاتها إستنادا إلي هذا الأساس.
وتؤمن الجبهة بأن بقاء البندقية الفلسطينية مرفوعة فى لبنان يعنى إستمرار الثورة ، ويشكل هذا البقاء أكبر دعم سياسي ومادي ومعنوي لنضالات الجماهير الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة. وترى أيضا ان البندقية الفلسطينية عقبة أمام تمرير مشاريع الإستسلام وعقبة أمام أى نظام عربى يريد اللحاق بكامب ديفيد على الطريق الذي إتبعه السادات. كما ترى أن بقاء البندقية الفلسطينية مشرعة سيؤدى إلي إستمرار افراز حالة ثورية تنتقل بتأثيراتها وانعكاساتها الى المنطقة العربية.
واضافة لذلك ترى الجبهة الشعبية أن المخطط المعادى يستهدف الحركة الوطنية اللبنانية بقدر ما يستهدف المقاومة الفلسطينية لتثبيت الهيمنة على جماهير لبنان. ولذلك طالبت بضرورة "اعتبار الحركة الوطنية اللبنانية الأساس في عملية التصدي لهذه المحاولات في سبيل دحر مخططاتها واعتبار دور المقاومة الفلسطينية دوراً داعماً ومسانداً ومشاركاً".
الجانب العسكري:
بدأ فرع فلسطين في حركة القوميين العرب الاعداد للكفاح المسلح قبل الخامس من حزيران 67 ، ومارس النشاط العسكري قبله ، وسقط الشهيد الأول خالد أبو عيشة في 2/11/1964. وبعد الخامس من حزيران مارست الجبهة الشعبية الكفاح المسلح من داخل الوطن المحتل ومن خارجه ، وكان نشاطها جزءاً من نضال فصائل المقاومة الفلسطينية العسكري ، وقد ألحقت ضربات موجعة بالعدو الصهيونى في جبال الخليل وقطاع غزة ، وشكلت هناك بؤراً ثورية مسلحة ألحقت بقوات العد الصهيوني خسائر كبيرة ، ولكن سوء الظروف الموضوعية وتوقف حرب الاستنزاف علي الجبهة المصرية وتفجير أحداث الأردن عام 1970 ، وقيام العدو الصهيوني بعمليات عسكرية كبيرة ضد المقاومة أدت إلي تصفية الصف القيادي الأول لتنظيم الجبهة الشعبية في قطاع غزة الذي كان يقوده الشهيد محمد محود الأسود (جيفارا غزة) عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ، وأدت إلى القضاء على عدد من المجموعات الثورية للجبهة في المناطق الأخري. غير أن ذلك لم يمنع الجبهة من إعادة ترتيب أوضاعها ومواصلة الكفاح المسلح.
وبذلت الجبهة جهوداً عسكرية على مستوي العمليات الحدودية من خارج الأرض المحتلة ، فهاجمت قواتها دوريات العدو الصهيوني ومواقعه وكمائنه ، وزرعت الألغام وهاجمت مستعمرات الحدود ، مما أربك العدو واستنزف طاقاته.
وقد وجهت الجبهة الشعبية ضربات عسكرية للمصالح الإمبريالية كعملية تفجير خط أنابيب النفط المار بأراضي الجولان السورية المحتلة ، وعملية ناقلة النفط "الكورال سي" فى مضيق باب المندب ، كذلك وجهت ضربات للمصالح الصهيونية ومؤسسات العدو الإقتصادية خارج الوطن المحتل.وقامت الجبهة الشعبية وتقوم بدورها في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية ووجودها المسلح ، أمام الهجمات التي تستهدف تصفيتها وابادتها على الأرض العربية مشتركة في ذلك مع فصائل المقامة الفلسطينية.
وفي لبنان كان لتنظيم الجبهة العسكري الموجود في تل الزعتر بقيادة عضو اللجنة المركزية للجبهة الشهيد أبو أمل الى جانب جماهير الشعب الفلسطينى ومقاتلى الثورة الفلسطينية من مختلف فصائل المقاومة أثر في الصمود البطولي للمخيم ، كذلك وقف مقاتلوا الجبهة مع غيرهم من مقاتلي الثورة صامدين في لبنان في آذار 1978.
وابان الاجتياح الاسرائيلى للبنان عام 1982 تصدت الجبهة لجحافل العدو الصهيونى بكل قوة الى جانب القوى الوطنية اللبنانية وفصائل الثورة الفلسطينية ، ورفعت أثناء حصار بيروت شعار : " تحويل بيروت الى ستالينغراد" ، كما رفضت الانسحاب من بيروت في الفترة الأولي من الحصار مما لعب دوراً في إطالة أمد الصمود ، وانسحاب المقاومة الفلسطينية بكرامتها من بيروت ، وقبل الانسحاب من بيروت كان للجبهة الشعبية دور أساسي ، الى جانب الح(*) الشيوعي اللبنانى في تأسيس جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والمشاركة الفاعلة في عملياتها. كما شاركت الجبهة بفعالية إلي جانب قوي الحركة الوطنية اللبنانية في التصدى للاحتلال الصهيونى وأعوانه فى الأعوام 83 ، 84 ، 85 ودحره عن مناطق بيروت والجبل وصيدا.
أزمة م.ت.ف ودور الجبهة:
خلال فترة الأزمة التي عصفت بـ م.ت.ف العام 1983 ، والتى أدت إلي إنقسام فى الساحة الفلسطينية ، لعبت الجبهة دورا بارزاً ومميزاً في النضال من أجل تجاوز الأزمة والانقسام واستعادة الوحدة لـ م.ت.ف. وفي نضالها ربطت الجبهة جدليا بين الوحدة والإصلاح في م.ت.ف ورأت بوضوح أن إستعادة الوحدة الوطنية يرتبط أشد الإرتباط بإستعادة م.ت.ف لخطها الوطني ، واعتبرت أن إلغاء إتفاق عمان الذى تخلت بموجبه القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف عن البرنامج المرحلي للثورة الفلسطينية و م.ت.ف ، برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة ، وعن مبدأ وحدانية تمثيل م.ت.ف للشعب الفلسطينى شرط أساسي لاستعادة الوحدة ، وقد كان للجبهة الشعبية الدور البارز والمميز في إعادة اللحمة لصفوف م.ت.ف ، ابان إنعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني فى الجزائر 1987.
الانتفاضة ودور الجبهة:
لعبت الجبهة ولا تزال دوراً ميدانياً بارزاً على صعيد الإنتفاضة وفعالياتها ونشاطاتها النضالية المختلفة ، وفى إطار قيادتها الوطنية الموحدة فى الداخل ، وقد رفعت الجبهة شعار : "الإنتفاضة محور عملنا" ، وسعت وما زالت ، الى تطبيقه على صعيد النشاط الوطني الفلسطينى.
وترى الجبهة أن الإنتفاضة شكلت بداية مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني من أهم سماتها ، الطابع الجماهيري الشامل للإنتفاضة ، وإنتقال مركز الثقل والصراع الفلسطينى مع العدو الصهيونى من خارج الوطن المحتل إلى داخله ، وابراز أولوية وأساسية الصراع الفلسطينى - الإسرائيلي فى إطار الصراع العربى - الصهيوني العام. كما تري الجبهة بأن الإنتفاضة حولت شعار الدولة من إمكانية تاريخية إلي إمكانية واقعية ، لكنها عارضت بشدة نهج الإستثمار المتسرع للإنتفاضة ورأت أن تجسيد هذا الشعار على أرض الواقع يتطلب نضالاًشاقاً وطويلاً. كما ناضلت الجبهة ولا تزال ، ضد سياسة التنازلات المجانية التي تنتهجها القيادة اليمينية المتنفذة في م.ت.ف وطالبت بضرورة توفير الحماية السياسية للإنتفاضة والعمل علي استمرارها وتجذيرها وتصاعدها حتى تحقيق هدفها بالحرية والإستقلال.
ملاحظة:
هذه الورقة أعدت في عام 1989 ولكنها لا زالت تكتسب أهمية وراهنية سواء من حيث القائها الضوء علي فكر وسياسة الجبهة أو من حيث رؤية التطورات على ما جاء فيها.